وأفادت وكالة مهر للانباء، أن المخرج الإيراني "إبراهيم حاتمي كيا"، أشار خلال مقابلته مع صحيفة الاخبار اللبنانية إلى أنه ليست قاعدة أن يكون المخرج كاتباً، لكن صانع الأفلام الذي يريد أن يقول ما عنده أو يعبِّر عمّا يشغله، يكتب عادة السيناريو بنفسه، وأنا من هؤلاء. كتبت تقريباً الأفلام العشرين التي صنعتها وأخرجتها.
وعلق على سؤال ابتعاد رؤيته السينمائية عن رؤية المخرج الإيراني "اصغر فرهادي" وهل هناك امكانية لعمل مشترك بينهما قائلاً أتمنى ذلك. طبعاً، فرهادي أصبح عالمياً يصبّ اهتمامه على الأعمال العالمية، ولديه بعض المحاولات في صناعة أفلام وطنية. عالم السينما والفن لا يمكن التنبؤ به. في جميع الأحوال، فرهادي معروف ككاتب سيناريو متبحِّر في السينما الإيرانية، وهو الذي يكتب ما يصنعه ويخرجه، وأنا كذلك.
وأجاب على ما يحتاج حاتمي كيا بعد ليكون له عمل عالمي معلقاً: هذا من الأسئلة التي تشغلني منذ نحو 30 سنة. أعمل في السينما منذ نحو 40 عاماً، ومنذ ثلاثين سنة أفكر في سؤال: ماذا تعني كلمة «عالمي»؟ كيف نستطيع أن نصبح عالميين؟ هل العالمية تعني أن نجد لغة مثل لغة هوليوود وبوليوود؟ هل الاقتراب من تلك اللغة يجعلني عالمياً، أم أن العالمية تعني أن أطرح المواضيع التي تهمّ بلدي وتعبّر عن مصالح بلدي بلغة السينما التي هي لغة عابرة للحدود؟ طبعاً هذا الكلام هو في الإطار النظري. لكن عملياً، هل يمكنني أن أصنع فيلماً ويشاهده العالم؟ هنا تتعقد الأمور. يوجد أمامنا منافذ، وهي المهرجانات الدولية مثل «كان» و«برلين» ونوعاً ما الأوسكار. لكن للأسف، إنّ معظم السينمائيين الذين أنجزوا أفلاماً كي تقبلها المهرجانات الدولية، ابتعدوا رويداً رويداً عن الواقع الاجتماعي الداخلي، ولم يعد لهم مكان في البيئة السينمائية والاجتماعية الوطنية الداخلية.
واوضح حاتمي كيا أن البعض يدخل عالم السينما ويفكر في صناعة ما تقبله المهرجانات، والواقع خلاف ذلك، لأن هذا الأمر لا يحصل. أمر مؤسف ومحزن، لأن هؤلاء في أوج المرحلة الإبداعية التي تشكل هويتهم السينمائية، يركزون على فكرة المهرجانات. وبعد مضيّ هذه المرحلة التي لا يحققون فيها مبتغاهم، يخسرون إمكانية النمو والتطور حتى في السينما الإيرانية. فما أريد قوله أن من ابتدع فكرة العالمية في الإنتاج السينمائي الإيراني، مجموعة من السينمائيين الإيرانيين الذين فقدوا في الواقع اللغة العالمية من جهة واللغة السينمائية الوطنية من جهة أخرى، ولم تصبح لهم مكانة حقيقية في السينما الإيرانية.
وحول السينما الايرانية والاعتقاد بان هي سينما تعمل في جوّ مخنوق ثقافياً ومؤدلج فكرياً ودينياً وسياسياً قال كيا: هذا كلام أشبه بالمزاح والنكتة. طبعاً أنا أقبل بأن منظومة المعايير والتشخيص في بلدي معيبة، وهذا الأمر ينطبق على أيّ مكان آخر. على سبيل المثال، أنظر إلى السينما العالمية وأجد فيها اتجاهاً سينمائياً يعارض الحرب ويعتبرها أمراً مذموماً، ثم يُضرَب مثل على ذلك الحرب العالمية الثانية، وينظر إلى الموضوع من الزاوية الغربية. هذا الاتجاه خطر على بلد مثل بلدي، يعاني ظروفاً معقَّدة وحساسة، ومحيطه مليء بالأحداث والصراعات. في إيران، صُنعت أفلام تعارض الحرب، وبتعبير آخر، أفلام تستسيغها المهرجانات الدولية. لكن السؤال: هل هذا هو واقعنا؟ وهل هذا رأي المجتمع الإيراني تجاه الحرب؟ الجواب هو للأسف كلا، ويجب القول لحسن الحظ كلا. المهرجانات أو السينما العالمية من العناوين الخطرة التي قضت على الكثير من صنّاع الأفلام. الأمر شبيه بالذي يهاجر من بلده إلى بلد آخر بحثاً عن السلام والرفاه والاستقرار. وبعد مرور سنوات طويلة، يشعر بالخواء، إذ إن البلد الثاني لم يحقّق له مبتغاه، وفي الوقت عينه لم يعد لديه شيء في وطنه الأم لأنه لم يستثمر جهده هناك.
واعتبر أن الانتقال إلى العالمية يبدأ بحفظ القيم والمعايير الوطنية لصناعة الفيلم وطرحه على الرأي العام لتقييمه وليس بناءً على توجهات المهرجانات الدولية وان اللطيف في الموضوع أنّ المهرجانات العالمية لا تخفي توجهاتها السياسية. لا أنكر أن بناء الفيلم والتقنية وكل العناصر الفنية يجب أن تلحظ في التقييم في المهرجانات، لكن عندما ندخل إلى المضمون، ولا سيما السياسي، يجب أن يكون متوافقاً مع الرؤية السياسية لتلك المهرجانات. شاركت في العديد من المهرجانات وكنت أفاجأ عندما أرى أن أناساً في تلك البلاد، يعتقدون أن إيران والعراق بلد واحد وأننا نتنقل بالجمال بين المدن، وكنا نفرح عندما نوضح لهم الصورة وأن لدينا مشاكل أخرى. لدينا مشاكل فلسفية ووجودية ومعيشية مثل مشكلة السكن، وكان البعض يضحك. لماذا يحدث ذلك؟ لأن الصورة في أذهان هؤلاء متكونة من خلفيات سياسية أو دينية أو غير ذلك. وعندما لا يشاهدون الصورة التي يعرفونها في أفلامنا، يعتقدون أنّ الرقابة حذفتها.
وفي إشارة إلى فيلم «بتوقيت الشام» (2018) علق حاتمي كيا قائلاً أنا معروف في أوساط السينما الإيرانية بأنني من رواد السينما الروائية. أحب أن يكون للفيلم قصة مشوقة وجذابة، أي إنني أتعامل مع السينما من هذه الزاوية. ثانياً، أنا الإيراني الموجود في إيران، لا أملك علاقة مباشرة وواضحة مع «داعش». لحسن الحظ، بلدي لم يتعرض لهجوم من «داعش»، عدا بعض العمليات المحدودة التي حصلت. أكثر من ذلك، كانت هناك دعاية سلبية لمشاركة إيران في الحرب السورية وتدخّلها في هذه الحرب البعيدة عنها جغرافياً. التحدي كان بالنسبة إليّ في نقل الصورة وخلق علاقة حتى مع جيل الشباب والناشئة، وجذبهم باتجاه مشاهدة الفيلم.
وحول فيما إذا كان الفيلم موجه في الدرجة الأولى إلى الداخل الإيراني نوه المخرج الايراني إلى انه بالتاكيد موجه للداخل لانني يجب أن أحصل على قبول في مجتمعي وبيئتي الداخلية قبل التفكير في الخارج. أعتقد أن الفيلم الذي لا يحصل على قبول في الداخل، يعاني من مشكلة ما.
واوضح كيا حول ان كانت الفكرة فكرته أم بتوجيه من الحرس قائلاً لم أقم بصناعة أيّ فيلم إلا بتوصية من قلبي. وبالنسبة إلى هذا الفيلم، كما كل أفلامي، أقوم بالأبحاث قبل العمل، وأصرّ على أن تكون ميدانية. قررت أن أذهب إلى سوريا التي تعاني من ظروف عسكرية معقدة. بسبب شهرتي، لم يكن سهلاً عليّ التنقل والعمل هناك، فكان يجب أن أحصل على إذن. ولهذا، كان عليّ أن أذهب إلى شخصية مثل الحاج قاسم كي يسمح لي بالذهاب والمشاهدة العينية. لم أُعطِ تعهداً أو وعداً أو أي التزام بصناعة فيلم بعد العودة من سوريا. بالنسبة إليّ شخصياً، كنت لا أزال أفكّر في الموضوع. أساساً، في البداية، لم يسمح لي الحاج قاسم بأن أذهب وأراقب من كثب، لأنه كما ذكرت فإن شهرتي ستحدث ضجة كبيرة لو حصل لي مكروه. لكن بعد إصراري، سمح لي وسافرت وبقيت فترة هناك. عندما عدت، لم أكن قد حسمت أمري بعد. لكن بعد تكويني صورة وفهماً عمّا يحدث هناك، قررت صناعة الفيلم حسب ما أريده أنا. حتى إنني لم أعرض عليه السيناريو، بل أعطيته عدداً من الصفحات لأخبره ماذا أريد أن أفعل.
وحول تعاونه مع ممثلين لبنانيين وسوريين اشار حاتمي كيا الى انه لقد بذل قُصارى جهده ليكون فريق التمثيل من السوريين، و"حتى الشخص الذي كان يعاونني في هذا الأمر سعى كثيراً لذلك، ولكن للأسف كان لدى الممثلين ظروف. على سبيل المثال، أحد الفنانين المشهورين وافق على أداء أحد الأدوار، لكنه تراجع في ما بعد لأنه يمتلك سكناً في السعودية، وبالتالي أداء هذا الدور قد يجلب له المشاكل. هذا أحد الأسباب. أيضاً، كان للشق المالي دور في ذلك، إذ لم نتفق على البدل المالي الذي سيُعطى لهم".
اما اذا كان راضٍ عن تجربته مع الفنانين اللبنانيين اوضح : أنا في منتهى الرضى. راضٍ عن انتظامهم ودقتهم وحساسيتهم تجاه الأدوار التي أدَّوها. تعاونوا معي وصبروا وتحملوا. كنا في ظروف صعبة أحياناً، مثل الحرّ الشديد. ورغم كل هذه الظروف، لا أذكر أنني واجهت تذمراً من أحد الفنانين. وهذا له بالغ القيمة بالنسبة إليّ، لأنك ــ كما تعلم ــ فإنّ السينما الإيرانية بدأت تفقد للأسف محورية المخرج، وأصبح الفنانون المشهورون يفرضون حتى على المخرج ما عليه فعله، وهذا لم يحصل معي في هذا الفيلم.
وفيما اذا كانت قصة الفيلم مبنية على أحداث حقيقية قال حاتمي كيا: القوات والطيارون الإيرانيون موجودون في سوريا، وهذا أمر حقيقي. يسمون عندنا «مدافعين حرم» أي المدافعين عن المقام. وانا اخترت نموذجاً وبنيت عليه قصتي.
واجاب على عدم رؤية دور أساسي للمرأة في أفلامه التي يكون معظم أبطالها رجالاً نوه المخرج الايراني الى انه لم يكن هذا مقصودا، ولكن عندما تتحدث عن الحرب، فإن الرجل هو الذي يذهب إلى ميدان القتال. ومع هذا، تجد في «بتوقيت الشام» كل أنواع النساء، من المرأة الداعشية الأجنبية إلى نماذج أخرى.
وحول احاسيسه وما ترافقه من لحظات تردد ومعاناة. كيف تعيش هذا على مدى عام أو عامين اشار الى انه من الزاوية الفنية، فإنني، كأيّ مخرج محترف، لديّ عدد من السيناريوهات الجاهزة التي يجري الإعداد لها، وبعضها أُعيدَت كتابته أكثر من مرة. لكن يحدث أنّ أحد السيناريوهات يُظهر نفسه أكثر من البقية في توقيت وظروف معيَّنين، فأقرر تحويله إلى فيلم. هكذا تحدث الأمور معي عادة. في السابق، كنت أصنع فيلماً كل عام، لكن في السنوات الأخيرة أصبحت أنجز شريطاً كل سنتين. وبذلك أكون خلال السنوات الأربعين الماضية، قد أنجزت نحو 20 فيلماً.
وختم حاتمي كيا حول ما تعنيه السينما له موضحا أن السينما بالنسبة إليّ رؤية إصلاحية بالكامل. هي أداة لنقل تلك الأفكار الإصلاحية التي أحملها وأحب طرحها./انتهى/
تعليقك